top of page

مقتطفات من ديوان "سيدي" إتش آر هيناور

  • ترجمة نصر عبد الرحمن
  • Aug 28, 2015
  • 2 min read


لم أعد أتذكر كيف يكون الاقتراب من بشري آخر. وأعني بهذا، كيف يكون الوقوف قرب كل مساحة في أجسادهم.

أحب أن أشرب الشاي ذو النكهة الحمضية فور تنظيف أسناني، فمذاقه على هذا النحو، يمنحني الإحساس بمزيد من الانتعاش.. وكأنني اشتريته من خط الإنتاج مباشرة. كل عام، أقوم بتزوير بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة بالكلية، لتواكب العام الجديد، ثم أذهب إلى الأوبرا حيث يشعر جسدي بأنه يألف المكان وغريب عنه في نفس اللحظة، وأنا أحب هذا التناقض. إنه نفس الشعور الذي ينتابني حين أكتب عن الفارق بين حرف "الواو" وبين كلمة "بشري". وأظن إذا تمكن الجميع من أن يكونوا "واواً" أكثر مما هم عليه، سيصبح حالنا أفضل بكثير.

أريد أن أستكشف طبيعة هذه المشاعر عند بشري آخر. يوجد تليفزيون في المنزل الذي أعيش به الآن، لأول مرة منذ كنت في المرحلة الثانوية وأعيش في منزل. ولقد تعلمت الآن من برنامج "أوبرا" قيمة التسامح. قالت "أوبرا" إن الصفح عن شخص ما يعني أنك تدرك عدم رغبتك في تغيير وضعك الراهن. ولا يعني هذا أن تحب من صفحت عنه... أو شيء من هذا القبيل.

لم يكن هناك ألوان. لم يحدث هذا أبداً.

أستوعب الآن أن هذا ما يحدث حين يحاول "بشري" أن يكون "واواً":

لن تسمح لنا اللغة بهذا.

أكتب هذه الحكايات الآن بشكل معكوس لأنني لم أعد قادرة على تذكر طريقة استخدام الأزمنة. أردت أن أسب والعن يا سيدي. ألا تعلم أنها دون ذاكرة؟! إلا أن المرأة التي كانت منذ ستين عاماً أصبحت مثل كوب من الماء، وربما أكثر منه صفاءً: ولم يعد لديها ذلك الجزء المشوه في شفتها: الجزء الذي يمنعك من تحديد طول الأشياء. تكمن المشكلة في عدم قدرتها على النطق بالجُمل التي يجب أن تخرج إلى الوجود الآن. هذه هي حدود قدرة جسدها.

أفكر أحياناً في كيف يكون شكل حياتي في "كلورادو" الآن، لأول مرة على مدار ثلاثة أجيال، وأتساءل إذا ما كانت ذاكرة الجسد وراثية.

السيدة أليس، ما هي حدود قدرة الجسد؟

هذا... هذا...

ثم ظهرت حقيقة الأمر. الحقيقة أنها لم تعد تتذكر كيف تكتب المزيد من الجُمل. هذا يكون ماذا؟ وماذا يكون هذا؟ أم كان هذا، نقطة في نهاية الجملة. أخاف هذا جداً. أريد أن أصيغ هذه الجُمل. وأريد أيضاً أن أكتبها بعد ستين عاماً من الآن.

أعمل معظم الأيام كمصممة كتب، ومنذ ليلتين، كنت أعمل على نص عن الظواهر الغريبة، عندما لاحظت أن شيئاً غريباً يحدث للحروف. حدقت، ثم حدقت مرة أخرى، ثم حدقت من جديد. نظرت إلى كل حرف عن كثب، ورأيت أنهم يتنفسون.. يتنفسون حرفياً، وببطء. ربما لن تصدقني، إلا أنني رأيتهم بوضوح. وكأن الحروف مصنوعة من بشر بحجم صغير، يرقدون فوق ظهورهم، ويربعون أذرعهم على صدورهم. كانوا يشبهون جثث كائنات صغيرة مُمددة على فراش الموت. يبدو أنهم يختنقون.. بسبب تكدسهم إلى هذا الحد. أفسحت مجالاً للتنفس لكل حرف وكل كلمة وكل سطر وكل هامش، ثم حدقت من جديد، واقتربت أكثر، وأكثر، وأدركت أنهم توقفوا. تماماً. لم يعد هناك المزيد من التنفس ولو ببطء، ولو لبرهة.

في داخل الحلم، سألني السيد إن كنت أحلم. قلت له، لا أظن ذلك. فقال، أنت تعرفين، هذا هو مكان الكلمات حين توشك على الموت. إنها تندس في الكتاب وتحبس نفسها بداخله.

في الصباح تلقيت اتصالاً هاتفياً يخبرني بموت المؤلف.

سيدي العزيز،

هل يمكن أن أظل أكتب إليك بعض الخطابات القصيرة رغم كونك ميت الآن؟

من فضلك قل نعم.

 
 
 

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Google Classic

FOLLOW ME

  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • c-youtube

© 2023 by Samanta Jonse. Proudly created with Wix.com

bottom of page