top of page

ترجمة لحوار مع مايا لأنجلو

مايا أنجلو.. لا تستسلموا للهزيمة

نصر عبد الرحمن

نشر بمجلة إبداع، الضفة الأخرى، عدد أبريل 2016

مايا أنجلو شاعرة أمريكية من أصل أفريقي، اقتحمت مجالات فنية عديدة؛ فقد كانت راقصة، ومُمثلة مسرحية، وكاتبة سيناريو، ومُطربة، وناشطة حقوقية؛ لكنها حققت شهرة عالمية بعد نشر الجزء الأول من سيرتها الذاتية "أعرف سر شدو الطائر الحبيس"؛ التي سردت فيها قصة حياتها، وذكريات طفولتها القاسية. ولدت مايا في الرابع من أبريل عام 1928، وانتقلت مع شقيقها الأكبر للحياة مع جدتها لأمها بعد انفصال أبويها. عملت في أحد المطاعم حتى تستطيع من الإنفاق على تعليمها. وفي السادسة عشر من عمرها، حصلت على منحة دراسية في سان فرانسيسكو لدراسة الرقص والتمثيل، ثم التحقت بإحدى الفرق المسرحية وحصلت على عدة أدوار صغيرة، وحققت نجاحًا في أحد الأدوار الغنائية. وفي تلك الفترة، أصبحت أكثر وعيًا بقضيتها العرقية والطبقية، وساهمت في عروض مسرحية وغنائية لصالح حركات حقوق أصحب البشرة السوداء عام 1957، وفي نفس العام أصدرت ألبومًا غنائيًا، والتحقت بأحد برامج الكتابة الأدبية.

 

تحكي مايا عن تجارب طفولتها وصباها وشبابها بصدق وعذوبة تستحوذ على قلب القاري وعقله، وتعرض للألم الذي تعرضت له طفلة سوداء في المجتمع الأمريكي. تميزت سيرتها الذاتية بوصف دقيق للغاية، وقدرة على تحويل المواقف إلى مشاهد بصرية عبر استخدام لغة شعرية شديدة الخصوصية. تحول الكتاب إلى صوت لكل سيدة أمريكية سوداء في أمريكا لأنه سلط الضوء على تجربة تعبر عنهن جميعًا. حاز الكتاب إعجاب النقاد، وتم اعتبارها أفضل كاتبة سيرة ذاتية سوداء البشرة، كما حقق مبيعات ضخمة جعلها صاحبة أعلى مبيعات لسيرة ذاتية. أصدرت مايا عدة دواوين شعرية، صدر أبرزها وأشهرها في عام 1971، بعنوان "امنحني جرعة ماء باردة لأنني أموت"، وتم ترشيحه إلى جائزة بولتزر. لاقت أشعارها نجاحاً كبيراً، واحتفى بها النقاد، رغم تعرضها لهجوم بسبب احتواء القصائد على بعض مشاهد العنف والجنس أحيانًا. لكن أشعارها أصبحت من بين مناهج المدارس الثانوية الأمريكية. وتمتاز قصائدها بلغة بسيطة وعذبة ودقيقة، ويدور قاموس مفرداتها في فلك الطبيعة: الأرض، النهر، الصخور، الطيور، الأزهار. ولديها قدرة مُلفتة على خلق صور بصرية بديعة، وإقامة موازاة كبيرة بين الطبيعة وبين المجتمع البشري. وتنطوي قصائدها على عدد هائل من الرموز التي تعبر عن مأزق البشرية في عدم القدرة على التواصل والتجاور بطريقة إنسانية تخلو من التحامل والتمييز.

في عام 1973، حصلت على جائزة عن دورها في إحدى المسرحيات، وفي عام 1977، حصلت على جائزة عن دورها في المسلسل الشهير "جذور". كما تم اختيارها لإلقاء قصيدة في حفل تتويج الرئيس الأمريكي بيل كلينتون. وفي عام 1995، احتفت بها نيويورك تايمز لمرور عامين متتاليين على تصدرها قائمة أعلى المبيعات، وهو رقم قياسي تاريخي. ورغم تقدمها في السن، لم تكتف مايا بما أنجزت، بل حاولت اقتحام مجال جديد عليها وأخرجت الفيلم الروائي الطويل "عبر الدلتا"، وفازت عنه بجائزة الجمهور بمهرجان شيكاغو السينمائي الدولي عام 1998. وأصدرت آخر كتبها عام 2008، بعنوان "خطاب إلى ابنتي"، تضع فيه خبرتها وتتوجه بالنصيحة إلى الفتيات؛ خاصة من ذوي البشرة السمراء، ليتمكنوا من مواجهة الحياة. نالت مايا –عبر حياتها الثرية والمتنوعة- أكثر من خمسين دكتوراه فخرية وجائزة وتكريم عن أعمالها. حين رحلت عن عالمنا عام 2014، ونعاها عدد كبير من الشخصيات الفنية والسياسية، كما أصدر الرئيس الأمريكي بارك أوباما بياناً وصفها فيه بأنها كاتبة مُبدعة، وصديقة لدودة، وامرأة استثنائية. وهذا جزء من حوار معها تحدثت فيه رحلتها مع كتابة السيرة الذاتية، ومشاكلها كسيدة سوداء البشرة، والرسالة التي تحاول نشرها بأعمالها الإبداعية.

حين بدأتِ كتابة سيرتك الذاتية "سر شدو الطائر الحبيس"، هل توقعت كتابة خمسة أجزاء أخرى؟

أجل، ولكن لم أكن واثقة. اعتقدت أنني حين أنتهي منه سوف أعود إلى كتابة مسرحية أو سيناريوهات للتليفزيون. كتابة السيرة الذاتية أمر شديد الغواية، وتجربة رائعة، ويا لها من مسؤولية أن تكتب سيرة ذاتية وتحاول أن تجعلها أكبر وأفضل وأغنى، خاصة عند التحدث عن حقبة بعينها في القرن العشرين. أشعر بسعادة حين تدعوني الجامعات لقراءة أجزاء من العمل، ولكن سعادتي الحقيقية حين ألتقي بالناس في الشارع أو في المطارات، يخبروني أنهم أخذوا كتابي على محمل الجد وتأثروا به، بغض النظر عن كونهم ذكور أو إناث، أو من ذوي البشرة البيضاء أو من السود. لم أكن أتوقع هذا في البداية، ظننتُ أنني سأكتب كتابًا قصيرًا عن قصة حياتي.

لماذا تتناثر في الكتاب الأول عبارات كثيرة ذات طابع ديني؟

لقد بدأ اهتمامي بالعبارات الدينية قبل سنوات طويلة من تأليف الكتاب، ومن الانخراط في كتابة نفسها. لقد كنت أحب القسس الأمريكيون من ذوي البشرة السمراء. أحب طريقتهم في الحديث ونبرة أصواتهم وتعبيراتهم البلاغية. كان قس كنيستي في أركنساس يقول عبارات من قبيل: "ثم خرج الرب والشمس عن يمينه، والقمر يستقر على راحة يده" كنت طفلة صغيرة، وكنت أحب هذه العبارات، أحبها كما أحب الشعر ومسرحيات شكسبير، وأعمال إدجار آلان بو، وما زلتُ أحبها حتى الآن. كنت بكماء في طفولتي، وكنت أقرأ وأتذكر، وترسخ كل ما سمعت وقرأت في تلك الفترة في وجداني، وظهر في كتابي الأول، وسوف يظهر في كتابي الأخير.

كنتِ بكماء؟

تعرضت لحادث اغتصاب في طفولتي الأولى، وأخبرت أخي الأكبر باسم الشخص الذي فعل هذا. وبعد عدة أيام قُتل ذلك الشخص. كنت في السابعة حينها، واعتقدت بعقلي الطفولي أن صوتي هو الذي قتل الرجل. توقفت عن الكلام لمدة خمس سنوات كاملة. ولقد كتبت عن هذه الواقعة في سيرتي الذاتية.

متى قررتِ أن تصبحي كاتبة؟

لحظة أن قررت كتابة مسلسل تلفزيوني، وقررت الانتقال إلى كاليفورنيا. اعتقدت ساعتها أنني سأكون شاعرة وكاتبة مسرحية، وهو بالفعل ما حدث، واستمر طوال حياتي. كنت أفكر أيضًا في العمل كمضاربة في سوق العقارات.

ولماذا اتخذت القرار بكتابة سيرة ذاتية؟

دعاني الصديق "جيمس بولدوين" إلى حفل عشاء مع جوليس وجودي فيفر، ذات مساء. كان الثلاثة متحدثون بارعون، وحاولت أن أحكي لهم بعض القصص عن نفسي. في اليوم التالي، اقترحت "جودي" على صاحب دار نشر أن يتعاقد معي لكتابة سيرتي الذاتية، ولكني رفضت تمامًا، وذهبت إلى كاليفورنيا لإنتاج حلقات عن الثقافة الأفريقية وثقافة الأمريكيين من أصل أفريقي. اتصل بي صاحب دار النشر ثلاث مرات، وكنت أرفض في كل مرة. تحدث بعد ذلك إلى "جيمس بولدوين"؛ الذي نصحه باستخدام طريقة ماكرة تنجح معي. اتصل الناشر وقال لي: "آنسة آنجلو، لن أزعجك مرة أخرى، لقد أدركت أنك لن تستطيعين تأليف هذا الكتاب لأنه عملية صعبة"، قلت له ماذا تقول؟ سوف أكتب هذه السيرة الذاتية على الفور.

هل تختارين فكرة مركزية لكل كتاب قبل الشروع في كتابته؟

أحاول أن أتذكر فترة مُعينة في حياتي، والحوادث التي حدثت لي وكانت تتسم بالعنف او الطيبة، أو الكرم، أو السخاء، أو الحقد، أو البهجة. أختار نحو أربعة حوادث فقط للكتابة عنها في تلك الفترة. بعدها أختار حادثة واحدة لأكتبها بشكل درامي دون أن تصل إلى حد الميلودراما.

هل تستهدفين جمهورًا بعينه؟

كنت أفكر في البداية في الفتيات الصغيرات من ذوي البشرة السوداء، لأن الكتب الموجهة إليهن قليلة للغاية، ثم فكرت في توسيع الدائرة التي أستهدفها. قررت الكتابة للجميع. ولكن قبل كل شيء كنت أحرص على نوعية الكتابة، أحاول دائمًا الالتزام بالمعايير الفنية والإبداعية، مما جعلني أكتب استجابة لدوافعي العاطفية ثم أقوم بعملية تنقيح فنية. لا أحاول التفكير كثيرًا في المُتلقي لأن هذا يضعني تحت ضغط وافقد السيطرة على الأفكار.

هل حدث أن تلاعبتِ بالشخصيات الحقيقية لخلق قصة قصيرة مُحكمة أثناء كتابة السيرة الذاتية؟

أحيانًا. أحيانًا أمزج ثلاث شخصيات معًا لأصنع شخصية واحدة، لأن شخصية واحدة ليست كافية لكتابة عنها. ولكن رغم هذا فالكتاب يلتزم بالحقيقة رغم هذا المزج. الكثير من الذين تناولهم الكتاب لا يزالون على قيد الحياة، ويمكنهم مواجهتي. لقد كتبت عن زوجي السابق، ولكني اتصلت به أولًا وقلت له إنني سأكتب عنه. قال إنني أعلم أنك لن تكذبي.

هل جادلك في ما كتبت عنه؟

لم يُجادل ولكني كنتُ رحيمة به للغاية.

أظن أن هذا يجعل من كتابة الرواية عملية سهلة بالنسبة إليكِ، فأنت تعرفين طريقة التعامل مع الشخصيات.

أجل، هذا صحيح، ولكن ليس بالنسبة لي. الكتابة الأدبية ليس أجمل أشكال التعبير. كل ما أحاول العمل عليه الآن هو تطوير كتابة السيرة الذاتية. لقد استولت كتابتها على تفكيري. أنا أكتب بصيغة المُفرد المُتكلم، وأرغب في الكتابة بصيغة الجمع المُتكلم حتى يرى كل من يقرأ ذاته ويستغرق في القراءة. إنه طموحي الأكبر الآن.

ألا تشعرين في رغبة للكذب؟ الروائيون يكذبون، أليس كذلك؟

لا أعلم هذا عن الروائيين. أرى أن سر نجاح أعظم الروائيين أنهم لا يكذبون. إنهم يستخدمون أسماء مُستعارة وشخصيات وأماكن وأوقات مُستعارة، لكنهم في الحقيقة يقولون الحقيقة عن الإنسان، وقدراته وما يجعله يضحك أو يبكي أو ينتحب أو يسقط أو يغضب أو يقتل أو يُحب.

هل تتحول الكتابة أحيانًا إلى محاولة لاستكشاف الذات؟

أجل. حين أكتب، أحاول أن أكتشف من أنا، ومن نحن، وما هي حدود قدراتنا، وبماذا نشعر، وكيف نخسر، وننهض بكل كل خسارة، ونخرج من الظلام لندخل إلى ظلام. أحاول أن أكتشف كل هذا. كما أحاول كذلك استكشاف اللغة، وأحاول أن أرصد كيف تؤثر في المُتلقي. أنا أعشق اللغة، وأعشق دورها، وقدرتها على التعبير عن لحظات المجد ولحظات الألم ورهافة الوجود. نحن في حاجة شديدة إلى اللغة.

هل واجهتك صعوبات كونك كاتبة ذات بشرة سوداء؟

أجل، ولكني لم أواجه الصعوبات في الكتابة فقط، بل في كل شيء. الرجل الأبيض في قمة المُجتمع الأمريكي، وتليه في المكانة السيدة البيضاء، وبعدها الرجل السود، أما القاع فمحجوز للسيدة السوداء. استمر هذا الوضع منذ زمن طويل، ولم يطرأ عليه تغيير حتى الآن.

يمكن أن أستوعب التراتبية الاجتماعية، ولكن لماذا تحدث في الأدب؟

العنصرية مُستشرية ومُتغلغلة في المُجتمع لسوء الحظ. أعرف راقصين وراقصات عظماء من ذوي البشرة السوداء، تم رفضهم لأنهم لا يصلحون لرقص الباليه بسبب لون بشرتهم. وللأسف تظهر العنصرية والتحيز ضد المرأة في المسرح والسينما. أنا أول سيدة سوداء أقوم بإخراج أفلام في هوليود، ولكي أخرج الفيلم، سافرت إلى السويد لأتعلم طريقة التعامل مع الكاميرا. واجهت معوقات كثيرة قبل أن يسمحوا لي بإخراج الفيلم.

وهل يتعرض الكتاب السود للتمييز كذلك؟

بكل تأكيد.

ما هي الفكرة التي تسيطر على أغلب أعمالك؟

الفكرة الرئيسية في أعمالي هي: نحن نواجه الكثير من الهزائم ولكن يجب ألا نُهزم. يتشكل الماس بفعل الضغط الشديد والزمن، بينما يتشكل الكريستال في زمن أقل، والفحم في زمن أقل. أكتب في أشعاري ومقالتي وكتبي وفي أعمالي الدرامية أننا نتعرض للهزائم ولكننا أقوى ولن نستسلم للهزائم.

Featured Posts
Recent Posts
Search By Tags
No tags yet.
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Google Classic
bottom of page